أعلمُ أن هذا الموضوع مزعج لبعض الناس …
ولذلك أقول مرة أخرى : إنّ الرقص الذي أتكلّم عنه لا علاقة له بالرقص الماجن الذي يفعله أهل الفسق والفجور ، وليس هو الرقص المثير للشهوات والفواحش أو ما يتشبّه به الرجال بالنساء والنساء بالرجال فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لعن من فعل ذلك .
إنني أتكلّم عن شيء فُعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ، من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله …
نتكلّم عن شيء بوّب له الإمام البيهقي في كتابه السنن الكبرى [ 10/ 226 ] باباً بعنوان :
” باب من رخّص في الرقص إذا لم يكن فيه تكسّر وتخنّث ”
يعني كلامنا عن شيء إن لم يجمع الفقهاء على قبوله فقد أقرّه بعض أئمة السنة رضوان الله عليهم …
ثم أورد تحت الباب المذكور حديثاً من رواية أبي إسحاق عن هانيء بن هانيء عن علي بن أبي طالب قال :
“أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وجعفر وزيد ، فقال لزيد : أنت أخونا ومولانا ، فحجَلَ ، وقال لجعفر : أشبهتَ خَلقي وخُلُقي ، فحجل وراءه حَجْلَ زيدٍ ، ثم قال لي : أنت مني وأنا منك ، فحجلتُ وراء حجل جعفر” .
قال البيهقي : ” هانيء بن هانيء ليس بالمعروف جداً ، وفي هذا إن صحّ دلالة على جواز الحجل ، وهو أن يرفع رجلاً ويقفز على الأخرى من الفرح ، فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز والله أعلم ” اهـ .
أقول الحديث حسن صحيح، وهانيء بن هانيء هو السبيعي الهمداني الكوفي من كبار التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثقة معروف من رهط أبي إسحاق السبيعي الراوي عنه وإن لم يعرفه الشافعي .
وقد احتج ابن حزم الظاهري – على تشدّده – بحديث هانيء من رواية شعبة وسفيان عن أبي إسحاق قال سمعتُ هاني بن هانيء قال كنتُ عند علي بن أبي طالب فذكر قصة العنين .
وشعبة بن الحجاج كان معروفاً بالتشدد في الأخذ عن شيوخه لا يأخذ عنهم إلا ما ثبت سماعه عن شيوخهم .
أما قصة علي وزيد وجعفر فهي طرف من قصة مشهورة أصلها في صحيح البخاري وراوها الإمام أحمد وأبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي إسحاق قال حدثني هانيء بن هانيء وهُبيرة بن يريم عن علي .
فثبت سماع أبي إسحاق من هانيء .
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه الألفاظ إنما اتفقا على حديث أبي إسحاق عن البراء مختصراً .
وعلّق عليه الذهبي بقوله : صحيح
وقال العجلي في الثقات : هانئ بن هانئ ، كوفي تابعي ثقة ، وفات الحافظ ابن حجر ذكر قول العجلي في التهذيب وهو على شرطه .
وأورده ابن حبان في الثقات وأخرج حديثه في صحيحه .
وقال فيه النسائي : لا بأس به .
وصحح الترمذي حديثاً من رواية أبي إسحاق عن هانئ عن علي .
وحسّنه الحافظ العراقي .
فلم يبق ما يُجرح به إلا قول ابن سعد في الطبقات : ” هانئ بن هانئ روى عن علي بن أبي طالب وكان يتشيّع وكان منكر الحديث ” .
وهذا ليس بشيء فقد ضعّف ابنُ سعد المغافريَّ وهو من رجال الصحيحين بمثل هذا فردّ عليه الحافظ ابن حجر بقوله : ” لم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا فإنّ مادّته من الواقدي في الغالب ، والواقدي ليس بمعتمد ” [ هدي الساري 416 ] .
ولذكر الحجل شاهد قوي رواه ابن سعد قال أخبرنا الفضل بن دكين قال حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه – فذكر القصة – وفيها : فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه ، فقال النبي عليه السلام :
ما هذا ؟
قال : شيء رأيتُ الحبشةَ يصنعونه بملوكهم .
وهذا إسناد جيّد رجاله رجال الصحيحين لكنه مرسل ، ومحمد راوي الحديث تابعي ثقة هو الإمام الباقر محمد بن زين العابدين علي بن الحسين حفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومثل هذا يأخذه في الغالب عن آل بيته .
ورواه ابن سعد في الطبقات بإسناد أقل جودة لكنه متصل عن الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نحوه وفيه : فقام جعفر فحجل حول رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا يا جعفر ؟ فقال : يا رسول الله كان النجاشي إذا أرضى أحداً قام فحجل حوله .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر تلك الروايات في شرح البخاري وسكت عليها ، والحاصل أنّ ذكر الحجل في القصة له أصل لا ينكره إلا معاند ، فليس فيه ما ينكر بل له شواهد سنأتي على ذكرها إن شاء الله .