في صبيحة رأس القرن الخامس عشر [فاتح محرم 1400هـ] الموافق 20 نوفمبر 1979م وإلى الرابع من ديسمبر 1979م زلزل العالم الإسلامي بأعظم زلزلة في التاريخ الإسلامي، فيها تحوّل الحرم المكي إلى ساحة حرب وقتل وتفجير حتى أهلك الله الدعيَّ الكذّاب المدعو “محمد بن عبد الله القحطاني” وتبيّن للناس أجمعين، أنهم كانوا من الضالين
وقيل: الحمد لله ربّ العالمين
تلك الأيام النَّحِسات أصيب العالم الإسلامي بصدمة مروّعة بعد الصدمة الأولى من الصلح بين السادات وإسرائيل وصدمة ثورة الخميني حتى كادت أن تميد الأرض بحركات الإسلام السياسي.
اشرأبّت الفتن والملاحم فوقى الله شرَّها بالغزو السوفييتي لأفغانستان مع نهاية الأسبوع الثالث من ذلك الشهر فتنفّس به الاحتقان الشديد، وكان الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيءُ فتنٌ يُرَقِّقُ بعضُها بعضاً”.
إنّ غلطة جهيمان وصاحبه الدعيّ المهديّ الكذّاب كانت أشبه بفضيحة دفعت أغلب المفكرين والمنظرين من حركات الإسلام السياسي السُنّي إلى إرجاء التعلّق بنبوءات آخر الزمان حتى إشعار آخر ….
ولحُسن الحظّ ألهاهم الجهادُ الأفغاني ونجدة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الأفغان عن تلك المُعَلّقات، فمالوا إلى المشرق وانشغلوا بدفع التمدّد الشيوعي.
وقيل: الحمد لله ربّ العالمين
وفي غَمْرَة الانشغال بالجهاد الأفغاني تلقّف شعلة الغباء من جهيمان شيخٌ من المغرب الأقصى يُدعى “عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان”. وكان الشيخ الصوفي السنّي قد ذهب إلى لبنان مطبخ النظريات السياسية في العقود الوسطى في القرن الماضي فرجع إلى بلاده بلوثة إخوانية، ثورية، انقلابية، “خُمَيْنِيّة” بنُسخة سُنيّة مُعدّلة كما وقع – تماماً – للمهدي بن تومرت لما عاد المشرق قبل تسعة قرون ليطيح بدولة المرابطين.
تناول الشيخ عبد السلام ياسين شعلة الغباوة من جهيمان وطار بها إلى المملكة المغربية ولسان حاله يقول:
أنا الشمسُ في جوّ السماء منيرةٌ
ولكــــن عيبي أنّ مطلعيَ الغربُ
[من قصيدة ابن حزم الأندلسي]
لكنْ الحقُّ – والحقُّ يُقال – أنّ الشيخ المغربي لم يتورّط بسفك الدماء، كان أصلحهم وأحسنهم هدياً وديناً، وكان – رحمه الله وغفر له – شديد الإعجاب بحركة الخُميني لكنه قرّر بدهاء وذكاء أن يتجنّب العمل المسلح لئلا يُلدغ – قبل الأوان – من الجُحر الذي لُدِغ منه الإخوان المسلمون – فتلك حَسَنةٌ تُحسب له – والله يُحبّ الإنصاف.
صبر الشيخ عبد السلام ياسين على المواجهة السلمية لأكثر من ثلاثة عقود، انشغل فيها بالتربية والتعليم والجمع والشحن والحشد ليوم القيامة؛ يوم القَوْمَة الخُمينيّة السنيّة على النظام الملكي المغربي، وخلال تلك الفترة المديدة كان جوهر الحركة الإسلامية السياسية التي انفرد بتأسيسها الشيخ عبد السلام مبنيّاً في أساسه وأصله على “نبوءة عودة الخلافة على منهاج النبوة” :
“ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت”
وهو حديثٌ نبوي مشكوك في صحته وإنْ صححه الألباني كما تقدّم تفصيله في مقال سابق من هذه المدوّنة، والله أعلم.
وبالجملة يمكننا القول: إن منهج الشيخ ياسين في ربط حركته السياسية بنبوءات آخر الزمان – بغضّ النظر عن الخلاف في ثبوتها وتأويلها – هو تصرّف ماكر ذكي، حيلةٌ ساهمت في بقاء الجماعة وثباتها ونمائها لسنوات طويلة، وبمثل هذا توصَفُ حيلة السفّاح مؤسس الدولة العباسية، وحيلة الدعيّ المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحديّة، وحيلة الولي الفقيه؛ وكيل المهدي الغائب؛ مؤسس الدولة الخمينية، وأمثالهم ممن قام بتوظيف النبوءات بدهاء، فنجحوا في تحقيق أهدافهم السياسية بغضّ النظر عن مذاهبهم الدينية.
فهل أكمل عبد السلام ياسين – ذو الحيطة والحذَر –
سبيلَ العفاريت الدهاة ؟؟
للحديث بقية !