روى البخاري في صحيحه قصة سبي هوازن في السنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة، وجاء فيها أنّ المقاتلين من هوازن جاؤوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَهزومين مَوتورين تائبين يطلبون استرداد ما سُبي منهم، فعقد النبيُّ اجتماعاً طارئاً عامّاً كاملاً [من حيثُ النصاب العددي، لأن الاجتماع كان في لقاء عَلَني مفتوح] فقال النبي صلى الله عليه وسلم للناس:
“أما بعد، فإنّ إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين وإني قد رأيتُ أن أردّ إليهم سَبْيَهُم، فمن أحبَّ منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتى نعطيَه إيّاه مِنْ أوّلِ ما يفيء الله علينا فليفعل”
فقال الناس: “قد طيّبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم”…
[ معناه أنّ الناس قد وافقوا على ردّ السبي، وأجابوا القائد العام في المجلس العام بالرضى والقبول عن طيب نفس وطيب خاطر كما نطقت ألسنتُهم بواحاً].
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إنّا لا ندري من أذِنَ منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عُرَفاؤكم أمرَكم” فرجع الناس فكلّمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيّبوا وأذنوا”اهـ.
قال الإمام العيني الحنفي في “عُمدة القاري شرح صحيح البخاري”:
“العُرفاء جمع عريف، وهو الذي يعرف أمر القوم وأحوالهم، وهو النقيب وهو دون الرئيس” اهـ
وقد ذكرتُ فيما مضى أنّ النظام الاجتماعي في الدولة الإسلامية المحمدية الأولى كان مزيجاً مركّباً من نظامين؛ قبلي وشعوبي، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على النظام القبلي كقوة صلبة ضاربة لحفظ الأمن الداخلي والخارجي، من أجل ذلك أدخل النبي صلى الله عليه وسلم النظام القبلي في تخميس جيش الدولة.
[“الخَميس” في العصر القديم هو الجيش الكبير الكامل، ينقسم إلى خمسة تشكيلات منفصلة؛ مقدّمة وميمنة وميسرة وقلب وساقة في المؤخرة، تحت كل خميس لواء أو مجموعة من الألوية].
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري:
“كان النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه يدفع إلى رأس كل قبيلة لواء يقاتلون تحته، وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تكون مع عليّ رضي الله عنه، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة… الخ ” اهـ
وهذا يعني أنّ جيش الدولة في العهد النبوي كانت فيه ألوية عامة فيها أخلاط من المهاجرين من قبائل وشعوب شتى رضي الله عنهم جميعاً، وألوية خاصة خالصة لقبائل الأوس والخزرج، مما يدل على إقرار النظام القبلي في إدارة شؤون الدولة في الحرب والسلم، وفي الداخل والخارج، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى “الجيرغا” في غزوة حُنين في شأن هوازن لبلوغ درجة الكمال في الشورى.