قال الإمام أبو داود السجستاني :
” عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان كان فيه سلامة وكان مجاب الدعوة وليس به بأس ، وكان أبوه وصي مكحول ، وكان عبد الرحمن على المظالم ببغداد ، ولاه ابن أبي جعفر يعني المهدي فكتب إليه من الشام يعاتبه على ذلك فقال : احسبوا أني أرفع كل يوم مظلمة تقبّل منها واحدة ” .
وهذا يدل على أن الخليفة المهدي قد جدّد ثقته بابن ثوبان فاستعمله على المظالم [ وزارة العدل ] كما استعمله أبوه الخليفة أبو جعفر المنصور وكان عبد الرحمن يبلغ من العمر حين ولي المهدي ثلاثاً وثمانين عاماً وقد روى ابن عساكر بإسناده إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري قال :
” أغلظ ابن ثوبان لأمير المؤمنين المهدي في كلام فاستشاط ثم سَكَن ، فقال المهدي : والله لو كان المنصور حيّاً ما أفاتَك ، قال : لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين ، فوالله لو كُشف لك عن المنصور حتى يخبرك بما لقي وبما عايَنَ ، ما جلستَ مجلسك غداً ” .
الحكاية طريفة لكنها تدل على وجود شيء غير طبيعي …
وروى أبو بكر المروذي أنه سمع الإمام أحمد بن حنبل وذُكر عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فقال :
” هذا كان عابد أهل الشام وذكر من فضله ، قال لما أقدم به دخل على ذاك الذي يقال له المهدي وابنته على عنقه ” [ تاريخ دمشق وتهذيب الكمال ]
وقال الإمام أحمد فيه : ” لم يكن بالقوي في الحديث “
وفي رواية الأثرم عن أحمد قال : ” أحاديثه مناكير ” .
وهذا يدل على أنه قد حدّث بعد اختلاطه كما قال يعقوب بن سفيان في تاريخه : ” قدم إلى بغداد وكتب أصحابنا عنه ببغداد ” فبطلت دعوى صاحبي تحرير التقريب .
ونفهم من ذلك أن الإمام أحمد ” البغدادي ” وهو من أعلم الناس بروايات البغداديين كان لا ينكر فضائل ابن ثوبان وما يُذكر به من الزهد والعبادة لكنه انتقد روايته وأحاديثه المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هي مناكير .
الصلاح شيء وضبط الحديث شيء آخر ، كما أن الإمام أحمد رحمه الله قد أشار إلى ما يدل على خرف ابن ثوبان رحمه الله فهل يعقل أن يدخل عاقل على أمير المؤمنين ليعظه وابنته على عنقه ؟
إن هذا التصرّف هو ما يفسّر سكون أمير المؤمنين وعدم معاقبته ؟ هنالك في الشام عند السبُع كانت حكاية حمل الابن على العنق مقبولة لكن في مجلس الخلافة ففضيحة عليها علامة استفهام كبيرة ؟
ولذلك وافق ابن معين صاحبه أحمد بن حنبل فقال : ” ابن ثوبان ضعيف كان ها هنا ببغداد ” [ سؤالات ابن الجنيد ]
وفي رواية الدارمي عن ابن معين : ” عبد الرحمن ضعيف وأبوه ثقة ” .
وفي رواية ابن أبي خيثمة عن ابن معين : ” لا شيءَ ” .
أما الإمام النسائي فأغلظ القول في ابن ثوبان فقال : ” ليس بثقة ” ، ولا يقول النسائي هذا القول إلا في الكذابين .
وقال ابن شاهين في الضعفاء والكذابين : ” ليس بشيء ” [ ما ورد في نسخة الثقات خطأ من النساخ ] .
وقال ابن خراش : في حديثه لين .
وذكره العقيلي وغيره في الضعفاء ، وبه تعلم أن ما ذكره أبو حاتم الرازي من تغيّر عقل ابن ثوبان لم يأتِ من فراغ .
واعلم أنّ أعراض مرض ابن ثوبان المعمّر قديمة بدأت من الشام قبل تحوّله إلى بغداد !
وكان أعلم الناس بأحوال ابن ثوبان صاحبه الإمام الأوزاعي إمام الشاميين ، وهو قرينه في الأخذ عن أبيه الثقة الإمام ثابت بن ثوبان ، صاحب عبدَ الرحمن قبل مرضه وبعد مرضه وخلص إلى تقرير صحي في غاية الأهمية يقضي بإصابة ابن ثوبان بمرض الجنون ، وهذا ما فات الأستاذين بشار عوّاد والأرنؤوط إذ زعما انفراد أبي حاتم الرازي بقذف ابن ثوبان كما سنبيّنه بالإسناد الثابت الصحيح ، والله المستعان .