في مشهد أقرب للكوميديا ومقالب الكاميرا الخفية الهزلية قام ليلة الأربعاء الماضي شاب مسلم في الخامسة والعشرين من عمره بهجوم مسلح على كنيستين في جنوب إسبانيا، وانتقل الذئب المنفرد من الكنيسة الأولى إلى الثانية فأثخن بالطعن في الأبرياء العزّل، يرتدي ثوباً سابغاً أسود اللون وكأنه مقاتل من الساموراي، يحمل بيده سيفاً من طِرزٍ كانت تسميّه العرب قديماً بالصحيفة اليمانية وهو يصيح “الله أكبر” ولسان حاله ينشد قول أبي تمام:
السَيفُ أَصدَقُ إنباءً مِنَ الكُتُبِ ——-
————————- في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِب
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في —-
——————— مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
إن قضيّة قتل الأبرياء العُزّل بحُجة القصاص من الظالمين قد تكلمنا عنها مراراً في مقالات سابقة وبيّنا بالأدلة القرآنية والنبوية والآثار السلفية براءة الإسلام من هذا الفعل المستنكر المستبشع من ذلك قول الله تعالى:
{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لعن اللهُ القاتلَ غيرَ قاتله، والضاربَ غيرَ ضاربه”
وقول الخليفة الأول أبي بكر الصديق يوصي أمير الجيش إذا بلغ أرض العدو المحارب فمرّ على كنائس النصارى بقوله:
“إنك ستجدُ قوماً زعموا أنهم قد حبّسوا أنفسهم لله [يعني القسيسين والرهبان] فذرهم وما زعموا أنهم قد حبّسوا أنفسَهم له”
أي اتركهم ولا تقتلهم وإن كانوا على دين باطل. هذه هي القِيَم والمبادئ الإسلامية التي كان المسلمون يفتخرون بها على سائر الأمم في القرون الأولى حتى طلعت إلينا داعش وأخواتها. وما جرى في الكنيستين هي من الأحداث المنكرة التي تشوّه صورة الإسلام، وهي للأسف ما يُنمّي ظاهرة الإسلاموفوبيا ويُغذّي اليمين المتطرف مما يُلحق الضرر بالأقلية المسلمة في أوروبا.
قد قيل إن المهاجم المسلم يعاني من اضطرابات نفسية وعقليّة أي مرفوع عنه القلم – ونرجو ذلك – فمثله لا يُسبّ ولا يُلعن قبل عرضه على مصحة للتأكد من سلامة قواه العقلية قبل الحكم عليه بالإرهاب، فكذلك يفعلون لو كان الجاني من غير المسلمين !
لكن المشكلة ليست ها هنا، المشكلة أنّ في المنظرين العقلاء من المنتسبين إلى الجهاد السلفي الإسلامي من أرشد إلى تجنيد المجانين ودفعهم للقتل باسم الجهاد في سبيل الله لكن بشروط وضوابط ضمن مرحلة محددة، وقد صدر عن تنظيم القاعدة قديماً كتابٌ بعنوان “إدارة التوحش” تضمّن فصلاً خاصاً بتجنيد الحمقى تحت عنوان “مشكلة التحمس الزائد عن الحد وملحقاتها كالتعجل بالعمليات أو الحماقة أو الغلو” [كتاب إدارة التوحش/ صفحة 70] وتكلم المنظر أبو بكر ناجي عن الضوابط التي يجب اتباعها “لتفريغ شحنات الحماس الزائدة”، أو بعبارة أخرى “ضوابط تجنيد المجانين”.
هذا ما يجب أن نقف عنده ونتأمله معشرَ المسلمين.
للحديث بقية.