بعد أن تبيّن بالحجة والبرهان أنّ الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ” هو حديث ضعيف لا يُحتج به ، في إسناده راوٍ أصيب بمرض الخرف والاختلاط في عام الطاعون فحدث الناس بعد اختلاطه ، وليس على المريض حرج وإنما الحرج على من يأخذ دينه عن المخرّفين .
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ دينه من الدسائس بحفظ الملف الطبي للراوي المريض !
وبذلك يتبيّن أنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية أصلٌ يمنع تعدد الخلفاء في وقت واحد .
ليس هذا مذهباً لأهل الأهواء والبدع كما يظن البعض ، فقد قال به جماعة من أئمة السنة رضي الله عنه ونصّوا على جواز التعدد عن تباعد الأقطار واستحالة الإنابة وهذا ما جرى عليه الأمر في القرن الإسلامي الثاني حين أجمع المسلمون في الأندلس على رفض البيعة للخليفة العباسي فبويع عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي خليفة للمسلمين في الأندلس ، وتابعهم المسلمون في المغرب الأقصى على رفض بيعة الخليفة العباسي فبايعوا إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فانقسمت الإدارة السياسية للعالم الإسلامي ، ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا لم يجتمع المسلمون على خليفة واحد البتة .
وقد قال بجواز تعدد الخلفاء من كان يقول بصحة حديث الخليفتين ، فقالوا : إن معنى الحديث يُحمل على الحديث الآخر الذي رواه مسلم ولفظه :
” من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد
يريد أن يشقّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه ” .
فالأمر معقود باجتماع الأمة ، لو اجتمعت الأمة على رجل واحد فخرج خليفة آخر لينقض إجماع المسلمين ويشق عصاهم ويفرق جماعتهم يجب الوفاء بالبيعة للأول المجمع عليه فإن جاء الآخر ينازع الأول أي خرج بالسلاح على الأمة يقتل كائناً من كان ، وهذا هو الجمع الصحيح بين النصوص .