خفايا من تاريخنا لا يعلمها كثير من الناس !
هل تعلم أنّ امبراطورية الروم البيزنط هي من عزلت مصر عن محيطها الإقليمي والدولي فأدى ذلك إلى تقزيم مكانتها الساسية بين الأمم وتباطؤ نموّها الاقتصادي؟ وهل تعلم أن ذلك هو السرّ في نفرة القبط من الروم، فليس الأمر مقصوراً على ارتفاع الضرائب الرومية أو تنازع المذاهب المسيحية كما يظنّ بعض المؤرخين والمفكرين …
هذا ما كشفت عنه الروايات الواردة في أحداث عام الرمادة فصدّق أو لا تصدّق
!!!
وَصَلَتْ مِيرَةُ العراق والشام ومصر إلى الحجاز – كما ذكرنا – ونجا الناس من موتان الجوع فانتهت المرحلة الحرجة لكارثة الرمادة، لكن السياسي العبقري عمر بن الخطاب وافق على خطة مطروحة لمشروع عظيم القدر، كبير الحجم، سيكلّف الخزينة العامة أموالاً ضخمة كما جاء في قول عمرو بن العاص لعمر:
“وتدخل فيه نفقات عظام”
لكنّ المشروع الاستراتيجي الضخم من وجه نظر عمر كان ذا نفع حقيقي، وذا أبعاد سياسية واقتصادية، ونتائج عاجلة في المدى القريب وآجلة دائمة على المدى البعيد، وهي السياسة المطلوبة للخروج من الأزمات الاقتصادية الحادّة.
الشعوب تطلب الحلول العاجلة والدائمة، وعمر بن الخطاب ضرب للناس عصفورين بحجر:
– فكّ العزلة عن مصر وحرّر اقتصادها.
– وفتح شرياناً جديداً لأسواق الحجاز فسيطر بذلك على ظاهرة ارتفاع الأسعار.
وقد كان عمرو بن العاص هو من أوحى بالفكرة العبقرية إلى عمر ثم ندم لظنه أن عمر بن الخطاب سيحلب مصر حلباً بالخراج المجاني، وعمرو بن العاص أصبح مصرياً وطنيّاً يقدّم مصلحة الشعب المصري على سائر الشعوب ولذلك ندم، ولم يكن ذلك الظنّ في حسبان عمر لأنه كان يرمي إلى شيء آخر بعيد، فيه مصلحة مشتركة للشعبين بالبيع والشراء.
ذكر المؤرخون في ذلك روايات أذكر منها هنا ما أورده ابن جرير الطبري في التاريخ أنه قد جاء في كتاب عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر :
“إن البحر الشامي [فرع شرقي لدلتا النيل] حفر لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حفيراً، فصبّ في بحر العرب، فسدّه الروم والقبط، فإن أحببت أن يقوم سعر الطعام بالمدينة كسعره بمصر، حفرت له نهراً [أي ترعة كبيرة فيصبح نهراً دائماً طوال العام] وبنيت له قناطر، فكتب إليه عمر: أن افعل وعجّل ذلك؛ فقال له أهل مصر: خراجك زاجٍ، وأميرك راضٍ؛ وإن تمّ هذا انكسر الخراج. فكتب إلى عمر بذلك، وذكر أن فيه انكسار خراج مصر وخرابها، فكتب إليه عمر: اعمل فيه وعجّل، أخرب الله مصر في عمران المدينة وصلاحها، فعالجه عمرو وهو بالقلزم، فكان سعر المدينة كسعر مصر، ولم يزد ذلك مصر إلاّ رخاء، ولم ير أهل المدينة بعد الرّمادة مثلها“.
وفي حديث الليث بن سعد عند ابن الحكم في فتوح مصر قال :
“فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفَعَلَة ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط، الذي يقال له خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم؛ فلم يأت الحول حتى فرغ، وجرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسمي خليج أمير المؤمنين”.
هذا مثال لبرنامج سياسي ناجح لحلّ الأزمات الاقتصادية، لا علاقة له بدين أو شريعة، وأغرب من ذلك حين تعلم أنّ مهندس فكرة المشروع المقترح كان قبطياً مسيحيّاً … فوا عجباه !
وللحديث بقية …