لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام بإناءين، في أحدهما لبنٌ [ حليب ] وفي الآخر خمرٌ، فقال: اشرب أيَّهُما شئتَ، فأخذ اللبنَ فشربه، فقال جبريل:
“أخذتَ الفطرةَ ، أما إنك لو أخذتَ الخمرَ غَوَتْ أمتك”
[رواه البخاري ومسلم]
هذا أول ما جاء في ذمّ الخمر، وحادثة الإسراء كانت في العهد المكي قبل تحريم الخمر، إذ حرّمت الخمر في العهد المدني بعد غزوة أُحد وكانت في السنة الثالثة من الهجرة.
أثبت العلم الحديث أن الخمر وأخواتها من المخدرات والمهلوسات هي عبارة عن موادّ تعبَثُ بتركيبة الإفرازات الكيمياوية في الدماغ، فيختل بها توازن العقل السليم الذي فطر الله الناس عليه.
تنشط أجزاء من دماغ المخمور وتضعف أخرى أو تغلق أي تسكر ولذلك سمّيت الخمر سَكَراً، ويُؤدي ذلك التسكير إلى اختلال نظام التحكّم السليم، وللخمر آثار عكسية عند انتهاء مفعولها تظهر بوضوح لدى المدمنين.
لحكمة ربّانية أرجأ الله تحريم الخمر حتى جاءت غزوة أحد في شوال من السنة الثالثة فاصطبح المسلمون بها على عادة العرب عند اللقاء، ومن سوء الحظّ لم تكن معركة أُحُد كغزوة بَدرٍ جولةً واحدة في ساعة من النهار!
كانت معركة طويلة على جولات من الكرّ والفرّ، فتسبّبت الخمر بفوضى عارمة خلال المفعول وبعد انتهاء المفعول، وأصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكاد أن يُقتل وانتهت المعركة بهزيمة المسلمين، وتبيّن للناس أنّ منافع الخمر زائفة زائلة ..
الزيادة في نسبة الاندفاع قابلها إفراط في حبُّ الشهوات من الأموال والغنائم، وانخفاضٌ في نسبة التحكّم والتقيّد بالأوامر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال للرماة :
“إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم”.
[رواه البخاري]ِ
ففشلوا وتنازعوا وعصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرحوا مكانهم فتسبّبوا بالهزيمة، وأنزل الله تعالى في ذلك قوله :
“ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبّون” .
أما الزيادة في نسبة الشجاعة والجراءة فانتهت بانقلابٍ إلى رعب وهلع وجزع عند انقضاء مفعول المشروب وفي ذلك أنزل الله تعالى قوله :
“إن الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلّهم الشيطانُ ببعض ما كسبوا” .. الآية.
وأما الزيادة في نسبة النشاط وعلوّ الهمّة فانقلبت إلى خمول وعجز وكسل فاحتاجوا إلى قسط من النوم والراحة في وقت الحاجة إلى اليقظة والهِمّة وفي ذلك أنزل الله تعالى قوله :
“ثم أنزل عليكم من بعد الغم أَمَنَةً نعاساً ” الآية ..
أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه كان شجاعاً مقداماً من الثابتين الذين استماتوا في الذبّ عن الرسول يوم أحُد، لكن أبو طلحة رضي الله عنه كان معروفاً بشرب الخمر قبل التحريم، وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أن أبا طلحة قال:
“غشينا النعاس ونحن في مصافّنا يوم أُحُد، فجعل سيفي يسقط من يدي، وآخذه ويسقط ، وآخذه”.
وفي الصحيح كذلك عن أنس بن مالك قال: كنتُ أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبا عبيدة بن الجراح وأُبيَّ بنَ كعب شراباً من فضيخ [خمر التمر] فجاءهم آتٍ فقال : إنّ الخمر قد حُرّمَت، فقال أبو طلحة:
“يا أنسُ قُمْ إلى هذه الجرار فاكسرها”
قال أنسٌ: فقُمتُ إلى مِهراسٍ لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت”.
وللحديث بقية