قبل متابعة الحديث عن معجزات الإسلام في الغزاة المغول فلنقف وقفة على أطلال مجاعة مضايا ….
لنعد إلى الماضي السحيق، إلى شهر شوال سنة 586 هـ أي مع دخول فصل الشتاء سنة 1190م وذلك في خواتم الحملة الصليبية الثالثة …
قامت الجيوش الإسلامية بقيادة السلطان صلاح الدين الأيوبي بمحاصرة الصليبيين على الشريط الساحلي لبلاد الشام، فأطبق عليهم الحصار العسكري والاقتصادي ولم يعد للصليبيين منفذ غير المنفذ البحري منه تصل مراكبهم محمّلة بالأمداد والميرة…
لكن على غير العادة انقطعت سفن الأوربيين في تلك السنة وأشرف الصليبيّون على مجاعة قاتلة …
مجاعة شبيهة بمجاعة “مضايا” لكن بلا صور ولا أفلام وثائقية وليس الخبر كالمعاينة كما قيل في المثل:
“لا عين تشوف ولا قلب يحزن”
في ذلك الزمان الغابر كان للأمة الإسلامية ضمير إنساني حيّ تحرّك للخبر قبل المعاينة، فأذن صلاح الدين الأيوبي بفك الحصار الاقتصادي ولولا ذلك لهلكوا جميعاً ….
لنستمع إلى الحافظ ابن الأثير وهو يملي علينا تلك الصفحة المشرقة من التاريخ الإسلامي بقوله رحمه الله :
” واشتدّ الغلاء على الفرنج حتى بلغت غرارة الحنطة أكثر من مائة دينار صوري فصبروا على هذا، وكان المسلمون يحملون إليهم الطعام من البلدان، منهم الأمير أسامة مُستحفظ بيروت [من كبار جنرالات صلاح الدين]، كان يحمل الطعام وغيره، ومنهم سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب كان يحمل من صيدا أيضاً إليهم وكذلك من عسقلان وغيرها لولا ذلك لهلكوا جوعاً خصوصاً في الشتاء عند انقطاع مراكبهم عند تهيّج البحر”.
[الكامل في التاريخ 9/210]