بعد الفراغ من صداع الطالبان ووفاة الملا عمر فلنعد قليلاً إلى قصة سيدنا يوسف عليه السلام ، ولنتأمّل القصة القرآنية من منظورَيْ ؛ المقارنة والمُناسَبة .
المهاجرون إلى الحبشة في الهجرة الأولى أخرجهم كفّارُ قريش من ديارهم وأموالهم مكرهين وكذلك فعل إخوة يوسف بنو النبي بن النبي بن النبي ، انتزعوا أخاهم من كَنَف والديه حَسَداً وألقوه في غيابة الجُبّ ظلماً بلا رحمة ولا شفقة ، لكن الصحابة رضوان الله عليهم لما همّوا بالفرار من مكة المكرمة استخاروا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاختار لهم الحبشة فرضوا بها طوعاً ورَغَباً ، أما يوسف عليه السلام فحُمِلَ إلى مِصْرَ لقيطاً مكرهاً فبيع بثمن بَخْس عبداً مملوكاً خادماً .
هذه واحدة ، أما الثانية ؛
فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد اختار لأصحابه بلادَ الحبشة وراء البحار لأنّ فيها دولة آمنة ، وملكاً صالحاً ، ونظاماً قضائياً عادلاً ، وشعباً متواضعاً نقيّاً من رجس العنصرية والعصبيّة الجاهلية أما يوسف عليه السلام فحُمِل إلى بلد كان يسوده [ في زمانه ] نظام طبقي غاشم ينخره الفساد الأخلاقي والاجتماعي ، ونظامٌ قضائي فاسد يحكم للقوي الفاجر على الضعيف الطاهر ، وفيه نظام إداري مبني على الاستبداد والجهل والكهانة وتقديم المصلحة الشخصية على المصالح العامة ، وفيه جوانب من الخير أشار إليها القرآن .
ثم لننظر إلى القصة القرآنية من منظور المُناسبة ! عوداً إلى الحديث النبوي :
” خير الناس أنفع الناس للناس “
يوسف الصديق كان نبيّاً موحداً مسلماً لله على دين آبائه يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام كما أباح لصاحبَيْ السجن ، حُمِل كرهاً إلى بلد أهله من المشركين الوثنيين ..
فاستعبد شرُّ البرية خيرَ البرية
وظلم شرُّ البرية خيرَ البرية
وسجن شرُّ البرية خيرَ البرية
فماذا قدّم يوسف الصديق لمصر وشعبها ؟
سؤال مثير يجيبنا عليه القرآن الكريم ، رأى فرعونُ مصر في منامه بقراتٍ سمان يأكلهنّ بقراتٌ عجاف ، وسنبلاتٍ خضراً وأُخرَ يابسات ففزع من الرؤيا وعجز الكهنة عن تأويلها فلم تهدأ نفس الملك حتى استفتى يوسف الصديق وهو قابع في ظلمات السجن ، وابتدأ المشوار :
“قال : تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون ، ثم يأتي من بعد ذلك سبعٌ شداد يأكلن ما قدّمتم لهنّ إلا قليلاً مما تُحصنون ، ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يُغاثُ الناس وفيه يعصرون”
تأمل التأويل …
لم يكتف يوسف بتأويل السمان والعجاف بل أصدر توجيهاتٍ لمعالجة الكارثة الطبيعية ، وتوجيهاتٍ لإصلاح النظام الإداري بناء على التدبير الاستراتيجي من خلال الخطة السبعية .
ودعا إلى إصلاح النظام الفلاحي بقوله : “تزرعون سبع سنين دأباً” أي متتابعة بجد ونشاط وإتقان لإكثار الغلّة والمخزون الاحتياطي .
ودعا إلى إصلاح نظام التخزين والاقتصاد في استهلاك الموارد أو ما يُعرف بالمصطلح الحديث بسياسة التقشّف ، ثم أخبرهم بالعام الخامس عشر وفيه يُغاث الناس وفيه يعصرون ، بشّرهم يوسف بالوحي بما ينفع دنياهم ولم يذكر الملك ذلك العام في رؤياه . فنفع الله بيوسف مصرَ وأهلها ولمّا يزل في سجنهم محبوساً بغير حق . وقال الملك :
” ائتوني به ”
فجاء الداعي بالفرج إلى يوسف فأبى أن يخرج قبل إصلاح النظام القضائي وهذا وأيمُ الله لشيء عجيب كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال متعجّباً :
” لو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبتُ الداعي ”
فلما ظهرت براءة يوسف وتبيّن للناس فساد النظام القضائي فقُضي بالحق أجابَ الداعيَ وخرج من السجن ثم ذهب إلى الملك فقال له الملك :
” إنك اليوم لدينا مكين أمين “
” قال : اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم “
فدعا بذلك إلى إصلاح نظام العمل والتشغيل ، ونظام الوزارة والتوظيف بناء على الكفاءة والخبرة والقدرة والأمانة والاختصاص .
والقرآن الكريم في ذلك كلّه يشير إلى استجابة الملك وشعبه للمطالب الإصلاحية .
انتفع الناس بيوسف الصديق ..
فصلحت مصر وصلح نظامها وأهلها تلك هي الحكاية ، فسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين .
لقد كان في قصصهم عبرة ، فما فعل ابن لادن لأفغانستان وشعبها ؟
للحديث بقية