إطلالة جديدة بلغة جديدة نجح خلالها أبو عبيدة يوسف العنابي أمير قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلامي في دفع السلطات الفرنسية إلى زاوية مُحرجة ورمى إليهم الكُرة – على الأقل أمام الرأي العام الفرنسي – بعد أن سلبها آخر ما تبقى لها من الحُجج لتبرير تدخّلها السافر والعميق في شؤون القارة السمراء.
الكلمات الجريئة والصريحة من العنابي تذكرنا بمبادرة ابن لادن حين طرح على الدول الأوروبية هدنة طويلة الأمد فقابلوه بالإعراض والتجاهل التام سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي كالصحافة المستقلة قبل أن يعضّوا جميعاً أصابع الندم، فابن لادن كان هو القائد المُطاع الأوحد لحركة الجهاد العالمي فمجرد الإشارة إلى السلام من شخص مثله مدرج على رأس قائمة الإرهاب باعتباره قائد الإرهابيين كافة في الكون قاطبة كانت تعني الكثير لو كانوا يعقلون ولهم رغبة للجنوح إلى السلم، لكن كان لسان حالهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية لما رأى المتعصبين من كفار قريش قد لبسوا جلود النمور:
“يا ويحَ قريش لقد أكلتهم الحربُ”
وها هو العنابي يرمي بالكرة من جديد ويلمح بالهدنة من جديد بزعمه “أن القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي تركز على القتال في إفريقيا ولم تجهّز لأي عمليات في الغرب أو على الأراضي الفرنسية”.
هذا كلام مثير جداً لو كان في الفرنسيين من يحرص حقاً على السلام فيجب أن لا يفوّت مثل هذه المبادرة التي تعرف في الفقه الإسلامي بالموادعة، وهذا ما سنقف عليه لاحقاً لتأمله طويلاً ونتأمل صلته بمعاهدة الصلح التي وقعت عليها الطالبان لأن العنابي لم ينقض بعدُ بيعته للطالبان فهل هي مجرد موادعة أم مصالحة هذا ما سنعرفه.
ومعلوم أن الجنوح إلى السلم يتطلّب المبادرة بما يؤشر على الرغبة في السلم ولعل موضوع الرهينة من المؤشرات على ذلك، والحديث هنا عن الصحفي الفرنسي المخطوف “أوليفييه ديبوا” الذي قامت أسرته قبل أشهر بحملة لتحريك الرأي العام الفرنسي وحث السلطات على مساعدته فكان الأمر كما قال الشاعر:
لقد أسمعتَ إذ ناديتَ حيّاً
ولكن لا حياة بمن تنادي
فانظروا كيف تحرّك ملف الصحفي المخطوف عند إجراء الحوار مع العنابي !! هنا نفهم دور مؤسسات المجتمع المدني ذات التأثير على الرأي العام في بلاد ترفع شعار الحرية والديمقراطية كالصحافة المستقلة الحرّة لأنّ مجرّد نقل الأخبار وقرع طبول الحرب تحت غطاء الوطنية أمرٌ يجيده السوقة من المطبّلين والغوغاء لكن صنّاع السلام هم الذين يحسنون العمل في المساحات التي لا يُحسن اللعب فيها رؤساءُ الحكومات والجيوش، وأولوا الألباب والعقول هم الذين ينظرون إلى الحاضر والمستقبل ويحسنون التفاعل مع مبادرات السلم وحسن النوايا فهنا يأتي دور الصحفي المستقل في التقاط الإشارات ونقلها وتوضيحها وتفسيرها للرأي العام كما فعل وسيم نصر.
من ثمارهم تعرفونهم !
ألا ترون كيف حُلت مشكلة المخطوف “أوليفييه ديبوا” وكيف عاد لأهله سالماً كما عادت من قبله الراهبة صوفي بروتنين قبل أن تفاجئ الفرنسيس بإسلامها واستبدال اسمها بـ “مريم”.
ألا تشير العجلة في إطلاق سراح “أوليفييه” إلى رسالة يريد العنابي إبلاغها ؟
لنا عودة لتأمل بعض الكلمات في تصريحات العنابي فقد ذكر أموراً في غاية الأهمية لو كانوا يسمعون .. أما “أوليفييه” فقد طُوي ملفه وقُبض ثمنه وفرح الطرفان بطيّه والحمد لله ربّ العالمين …